ما يسبب هذه الفوضى والربكة !؟
تغيب عن حياتنا العديد من المفاهيم الإدارية البسيطة والبديهية التي لابد منها لتسيير أمورنا ، سواء في تنظيم شؤوننا الشخصية ، أو الأسرية ، بل وحتى على صعيد المؤسسات والمرافق العامة والخاصة ، ولعل هذا ما يسبب هذه الفوضى والربكة التي تشمل أوجه حياتنا ، وتحول بيننا وتحقيق أهدافنا رغم توفر كل الإمكانيات اللازمة والمطلوبة لتحقيقها ، ودائماً ما أردد ، بأن الإمكانيات دائما ليست هي المشكلة ، ولكن توظيف ما هو متوفر على النحو الصحيح يظل هو العامل الأهم في تحقيق الأهداف والبرامج على أي صعيد كان شخصي أو أسري أو مؤسسي .
وواحدة من هذه المفاهيم مسألة الراتب الذي يتصدر الفصل الأول من ميزانية الدولة ، إلي ميزانية الوزارات والشركات والمؤسسات والبقالات ، إلى ميزانية الأسرة إذا كان عمالة منزلية ، فقد درجنا على النظر إلى ما ندفعه من رواتب باعتباره من المنصرفات ، وهذا فهم خاطئ تماماً ، إذ يجب أن يكون المرتب "استثمار" ، لأن النظرة الصحيحة لا تركز على ما تصرف فقط ، وإنما على "المردود" بشكل خاص ، فأنت حين تضع ما تصرفه على كفة ، ومردود المنصرفات في الكفة الأخرى ثم تقارن بينهما لتقدير نسبة الأرباح ، تكون بذلك قد أدرت منصرفاتك إدارة استثمارية بحق.
ما الذي يحدث عند اختلال هذا الميزان؟.
ما يحدث هو أنك عندما تنظر للمرتب الذي تدفعه ك"منصرفات" سينصب تركيزك على تقليصه بقدر ما تقدر ، ما يدفعك لتوظيف العمالة الرخيصة ، والعمالة الرخيصة تكون واحد من اثنين :إما عمالة تفتقر إلى المهارات المطلوبة ، وهذه ضررها أكثر من فائدتها ، هذا إذا كانت لها فائدة من أصله ، وكما نقول في أمثالنا "الرخيص مخيس " .
أو ، إما هي عمالة تتمتع بالقدر المطلوب ، وبالتالي فإنك تكون بخستها حقها ، ما يجعل العامل المستأجَر يشعر بالظلم والغبن ، وبالتالي لا يمكنك أن تتوقع إخلاصاً ولا تفانياً ممن أوغرت صدره عليك ، هذا إن لم يسع للانتقام منك في عمله ، وعلى كلٍّ ، فأنت في الحالتين خاسر.